الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **
التيمم في اللغة القصد قال الله تعالى: تيممت للعين التي عند ضارج ** يفيء عليها الظل عرمضها طامي وقال الله تعالى:
قال: أبو القاسم [ ويتيمم في قصير السفر وطويله] طويل السفر: ما يبيح القصر والفطر, وقصيره: ما دون ذلك مما يقع عليه اسم سفر مثل أن يكون بين قريتين متقاربتين أو متباعدتين قال القاضي: لو خرج إلى ضيعة له, ففارق البنيان والمنازل ولو بخمسين خطوة جاز له التيمم والصلاة على الراحلة, وأكل الميتة للضرورة فيباح له التيمم فيهما جميعا وهذا قول مالك والشافعي وقد قيل: لا يباح إلا في السفر الطويل وقول الله عز وجل: ولا فرق بين سفر الطاعة والمعصية لأن التيمم عزيمة فلا يجوز تركه بخلاف بقية الرخص ولأنه حكم لا يختص بالسفر, فأبيح في سفر المعصية كمسح يوم وليلة. فإن عدم الماء في الحضر بأن انقطع الماء عنهم, أو حبس في مصر فعليه التيمم والصلاة وهذا قول مالك والثوري, والأوزاعي والشافعي وقال أبو حنيفة, في رواية عنه: لا يصلي لأن الله تعالى شرط السفر لجواز التيمم فلا يجوز لغيره وقد روي عن أحمد: أنه سئل عن رجل حبس في دار, وأغلق عليه الباب بمنزل المضيف أيتيمم؟ قال: لا ولنا ما روى أبو ذر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إن الصعيد الطيب طهور المسلم, وإن لم يجد الماء عشر سنين فإذا وجد الماء فليمسه بشرته فإن ذلك خير) قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح فيدخل تحت عمومه محل النزاع ولأنه عادم للماء فأشبه المسافر والآية يحتمل أن يكون ذكر السفر فيها خرج مخرج الغالب لأن الغالب أن الماء إنما يعدم فيه كما ذكر, في السفر وعدم وجود الكاتب في الرهن وليسا شرطين فيه, ولو كان حجة فالمنطوق مقدم عليه على أن أبا حنيفة لا يرى دليل الخطاب حجة والآية إنما يحتج بدليل خطابها فعلى هذا إذا تيمم في الحضر, وصلى ثم قدر على الماء فهل يعيد؟ على روايتين إحداهما يعيد وهو مذهب الشافعي لأن هذا عذر نادر, فلا يسقط به القضاء كالحيض في الصوم والثانية لا يعيد وهو مذهب مالك لأنه أتى بما أمر به فخرج من عهدته ولأنه صلى بالتيمم المشروع على الوجه المشروع, فأشبه المريض والمسافر مع أن عموم الخبر يدل عليه وقال أبو الخطاب: إن حبس في المصر صلى ولم يذكر إعادة وذكر الروايتين في غيره ويحتمل أنه إن كان عدم الماء لعذر نادر أو يزول قريبا, كرجل أغلق عليه الباب مثل الضيف ونحوه أو ما أشبه هذا من الأعذار التي لا تتطاول فعليه الإعادة لأن هذا بمنزلة المتشاغل بطلب الماء وتحصيله وإن كان عذرا ممتدا, ويوجد كثيرا كالمحبوس أو من انقطع الماء في قريته, واحتاج إلى استقاء الماء من مسافة بعيدة فله التيمم ولا إعادة عليه لأن هذا عادم للماء بعذر متطاول معتاد, فهو كالمسافر ولأن عدم هذا الماء أكثر من عدم المسافر له فالنص على التيمم للمسافر تنبيه على التيمم ها هنا والله أعلم. ومن خرج من المصر إلى أرض من أعماله لحاجة كالحراث, والحصاد والحطاب والصياد, وأشباههم ممن لا يمكنه حمل الماء معه لوضوئه فحضرت الصلاة ولا ماء معه ولا يمكنه الرجوع ليتوضأ إلا بتفويت حاجته, فله أن يصلي بالتيمم ولا إعادة عليه لأنه مسافر فأشبه الخارج إلى قرية أخرى ويحتمل أن يلزمه الإعادة لكونه في أرض من أعمال المصر, فأشبه المقيم فيه فإن كانت الأرض التي يخرج إليها من عمل قرية أخرى فلا إعادة عليه وجها واحدا لأنه مسافر. قال: [ إذا دخل وقت الصلاة وطلب الماء فأعوزه] هذه ثلاثة شروط لصحة التيمم: أحدها دخول وقت الصلاة فإن كانت الصلاة مكتوبة مؤداة لم يجز التيمم قبل دخول وقتها وإن كانت نافلة لم يجز التيمم لها في وقت نهي عن فعلها فيه لأنه ليس بوقت لها وإن كانت فائتة جاز التيمم له في كل وقت لأن فعلها جائز في كل وقت وبهذا قال مالك, والشافعي وقال أبو حنيفة: يصح التيمم قبل وقت الصلاة لأنها طهارة تبيح الصلاة فأبيح تقديمها على وقت الصلاة كسائر الطهارات وروي عن أحمد, أنه قال: القياس أن التيمم بمنزلة الطهارة حتى يجد الماء أو يحدث فعلى هذا يجوز قبل الوقت والمذهب الأول لأنه طهارة ضرورة فلم يجز قبل الوقت كطهارة المستحاضة, أو نقول: يتيمم للفرض في وقت هو مستغن عنه فأشبه ما لو تيمم عند وجود الماء وقياسهم ينتقض بطهارة المستحاضة ويفارق التيمم سائر الطهارات لكونها ليست لضرورة الشرط الثاني طلب الماء, وهذا الشرط وإعواز الماء إنما يشترط لمن يتيمم لعذر عدم الماء والمشهور عن أحمد اشتراط طلب الماء لصحة التيمم وهو مذهب الشافعي وروي عن أحمد: لا يشترط الطلب وهو مذهب أبي حنيفة (لقوله عليه السلام: التراب كافيك ما لم تجد الماء) ولأنه غير عالم بوجود الماء قريبا منه فأشبه ما لو طلب فلم يجد ولنا قوله تعالى: وصفة الطلب أن يطلب في رحله, ثم إن رأى خضرة أو شيئا يدل على الماء قصده فاستبرأه وإن كان بقربه ربوة أو شيء قائم أتاه وطلب عنده وإن لم يكن نظر أمامه ووراءه, وعن يمينه ويساره وإن كانت له رفقة يدل عليهم طلب منهم وإن وجد من له خبرة بالمكان سأله عن مياهه, فإن لم يجد فهو عادم وإن دل على ماء لزمه قصده إن كان قريبا ما لم يخف على نفسه أو ماله أو يخشى فوات رفقته, ولم يفت الوقت وهذا مذهب الشافعي فإن طلب الماء قبل الوقت فعليه إعادة الطلب بعده قاله ابن عقيل لأنه طلب قبل المخاطبة بالتيمم فلم يسقط فرضه, كالشفيع إذا طلب الشفعة قبل البيع وإن طلب بعد الوقت ولم يتيمم عقيبه جاز التيمم بعد ذلك من غير تجديد طلب الشرط الثالث: إعواز الماء بعد الطلب ولا خلاف في اشتراطه لأن الله تعالى قال: وإذا وجد الجنب ما يكفي بعض أعضائه, لزمه استعماله ويتيمم للباقي نص عليه أحمد فيمن وجد ما يكفيه لوضوئه وهو جنب, قال: يتوضأ ويتيمم وبه قال عبدة بن أبي لبابة ومعمر ونحوه قال عطاء وهو أحد قولي الشافعي وقال الحسن, والزهري وحماد ومالك, وأصحاب الرأي وابن المنذر والشافعي في القول الثاني: يتيمم ويتركه لأن هذا الماء لا يطهره, فلم يلزمه استعماله كالمستعمل ولنا قوله تعالى: وإن وجد المحدث الحدث الأصغر بعض ما يكفيه فهل يلزمه استعماله؟ على وجهين: أحدهما يلزمه استعماله لما ذكرنا في الجنب ولأنه قدر على بعض الطهارة بالماء, فلزمه كالجنب وكما لو كان بعض بدنه صحيحا وبعضه جريحا والثاني لا يلزمه لأن الموالاة شرط فيها, فإذا غسل بعض الأعضاء دون بعض لم يفد بخلاف الجنابة, ولذلك إذا وجد الماء أجزأه غسل ما لم يغسله فقط وفي الحدث يلزمه استئناف الطهارة وفارق ما إذا كان بعض أعضائه صحيحا وبعضه جريحا لأن العجز ببعض البدن يخالف العجز ببعض الواجب, بدليل أن من بعضه حر إذا ملك رقبة لزمه إعتاقها في كفارته ولو ملك الحر بعض رقبة لم يلزمه إعتاقه وللشافعي قولان كالوجهين. ومن حال بينه وبين الماء سبع أو عدو, أو حريق أو لص فهو كالعادم ولو كان الماء بمجمع الفساق, تخاف المرأة على نفسها منهم فهي عادمته وقد توقف أحمد عن هذه المسألة وقال ابن أبي موسى: تتيمم, ولا إعادة عليها في أصح الوجهين والصحيح أنها تتيمم ولا إعادة عليها وجها واحدا, بل لا يحل لها المضي إلى الماء لما فيه من التعرض للزنا وهتك نفسها وعرضها وتنكيس رءوس أهلها, وربما أفضى إلى قتلها وقد أبيح لها التيمم حفظا للقليل من مالها المباح لها بذله, وحفظا لنفسها من مرض أو تباطؤ برء فهاهنا أولى ومن كان في موضع عند رحله فخاف إن ذهب إلى الماء ذهب شيء من رحله, أو شردت دابته أو سرقت أو خاف على أهله لصا, أو سبعا خوفا شديدا فهو كالعادم ومن كان خوفه جبنا, لا عن سبب يخاف من مثله لم تجزه الصلاة بالتيمم نص عليه أحمد في رجل يخاف بالليل, وليس شيء يخاف منه قال: لا بد من أن يتوضأ ويحتمل أن تباح له بالتيمم ويعيد إذا كان ممن يشتد خوفه لأنه بمنزلة الخائف لسبب ومن كان خوفه لسبب ظنه, فتبين عدم السبب مثل من رأى سوادا بالليل ظنه عدوا فتبين له أنه ليس بعدو, أو رأى كلبا فظنه أسدا أو نمرا فتيمم وصلى ثم بان خلافه, فهل يلزمه الإعادة؟ على وجهين: أحدهما لا يلزمه الإعادة لأنه أتى بما أمر به فخرج عن عهدته والثاني يلزمه الإعادة لأنه تيمم من غير سبب يبيح التيمم فأشبه من نسي الماء في رحله, وتيمم. ومن كان مريضا لا يقدر على الحركة ولا يجد من يناوله الماء فهو كالعادم قاله ابن أبي موسى وهو قول الحسن لأنه لا سبيل له إلى الماء فأشبه من وجد بئرا ليس له ما يستقي به منها وإن كان له من يناوله الماء قبل خروج الوقت, فهو كالواجد لأنه بمنزلة من يجد ما يستقي به في الوقت وإن خاف خروج الوقت قبل مجيئه فقال ابن أبي موسى: له التيمم ولا إعادة عليه وهو قول الحسن لأنه عادم في الوقت, فأشبه العادم مطلقا ويحتمل أن ينتظر مجيء من يناوله لأنه حاضر ينتظر حصول الماء قريبا فأشبه المشتغل باستقاء الماء وتحصيله. إذا وجد بئرا, وقدر على التوصل إلى مائها بالنزول من غير ضرر أو الاغتراف بدلو أو ثوب يبله ثم يعصره لزمه ذلك وإن خاف فوت الوقت لأن الاشتغال به كالاشتغال بالوضوء وحكم من في السفينة في الماء كحكم واجد البئر, وإن لم يمكنه الوصول إلى مائها إلا بمشقة أو تغرير بالنفس فهو كالعادم وهذا قول الثوري, والشافعي ومن تبعهم ومن كان الماء قريبا منه يمكنه تحصيله, إلا أنه يخاف فوت الوقت لزمه السعي إليه والاشتغال بتحصيله وإن فات الوقت لأنه واجد للماء, فلا يباح له التيمم لقوله تعالى: وإن بذل له ماء لطهارته لزمه قبوله لأنه قدر على استعماله ولا منة في ذلك في العادة وإن لم يجده إلا بثمن لا يقدر عليه, فبذل له الثمن لم يلزمه قبوله لأن المنة تلحق به وإن وجده يباع بثمن مثله في موضعه أو زيادة يسيرة, يقدر على ذلك مع استغنائه عنه لقوته ومؤنة سفره, لزمه شراؤه وإن كانت الزيادة كثيرة تجحف بماله لم يلزمه شراؤه لأن عليه ضررا وإن كانت كثيرة لا تجحف بماله, فقد توقف أحمد فيمن بذل له ماء بدينار ومعه مائة فيحتمل إذن وجهين: أحدهما يلزمه شراؤه لأنه واجد للماء قادر عليه, فيلزمه استعماله بدلالة قوله تعالى: فصل : إذا كان معه ماء ، فأراقه قبل الوقت ، أو مر بماء قبل الوقت ، فتجاوزه ، وعدم الماء في الوقت ، صلى بالتيمم من غير إعادة . وبه يقول الشافعي ، وقال الأوزاعي ، إن ظن أنه يدرك الماء في الوقت ، كقولنا ، وإلا صلى بالتيمم ، وعليه الإعادة ؛ لأنه مفرط . ولنا ، أنه لم يجب عليه استعماله . فأشبه ما لو ظن أنه يدرك الماء في الوقت . وإن أراق الماء في الوقت ، أو مر به في الوقت فلم يستعمله ، ثم عدم الماء ، يتيمم ويصلي . وفي الإعادة وجهان : أحدهما لا يعيد ؛ لأنه صلى بتيمم صحيح ، تحققت شرائطه ، فهو كما لو أراقه قبل الوقت . والثاني يعيد ؛ لأنه وجبت عليه الصلاة بوضوء ، وهو قد فوت القدرة على نفسه ، فبقي في عهدة الواجب ، وإن وهبه بعد دخول الوقت لم تصح الهبة ، والماء باق على ملكه ، فلو تيمم مع بقاء الماء ، لم يصح تيممه . وإن تصرف فيه الموهوب له ، فهو كما لو أراقه . إذا نسي الماء في رحله أو موضع يمكنه استعماله وصلى بالتيمم فقد توقف أحمد, -رحمه الله- في هذه المسألة وقطع في موضع أنه لا يجزئه وهو قول الشافعي وقال أبو حنيفة وأبو ثور: يجزئه وعن مالك كالمذهبين لأنه مع النسيان غير قادر على استعمال الماء, فهو كالعادم ولنا أنها طهارة تجب مع الذكر فلم تسقط بالنسيان كما لو صلى ناسيا لحدثه, ثم ذكر أو صلى الماسح ثم بان له انقضاء مدة المسح قبل صلاته, ويفارق ما قاسوا عليه فإنه غير مفرط وها هنا هو مفرط بترك الطلب. وإن ضل عن رحله الذي فيه الماء أو كان يعرف بئرا فضاعت عنه, ثم وجدها فقال ابن عقيل: يحتمل أن يكون كالناسي والصحيح أنه لا إعادة عليه وهو قول الشافعي لأنه ليس بواجد للماء فيدخل في عموم قوله تعالى: إذا صلى ثم بان أنه كان بقربه بئر أو ماء, نظرت فإن كانت خفية بغير علامة وطلب فلم يجدها فلا إعادة عليه لأنه غير مفرط وإن كانت أعلامه ظاهرة, فقد فرط فعليه الإعادة. قال: [ والاختيار تأخير التيمم] ظاهر كلام الخرقي أن تأخير التيمم أولى بكل حال وهو المنصوص عن أحمد, وروي ذلك عن علي وعطاء والحسن, وابن سيرين والزهري والثوري, وأصحاب الرأي وقال أبو الخطاب: يستحب التأخير إن رجا وجود الماء وإن يئس من وجوده استحب تقديمه وهو قول مالك وقال الشافعي في أحد قوليه: التقديم أفضل إلا أن يكون واثقا بوجود الماء في الوقت لأنه لا يستحب ترك فضيلة أول الوقت, وهي متحققة لأمر مظنون ولنا قول علي رضي الله عنه في الجنب: يتلوم ما بينه وبين آخر الوقت فإن وجد الماء, وإلا تيمم ولأنه يستحب التأخير للصلاة إلى بعد العشاء وقضاء الحاجة كي لا يذهب خشوعها وحضور القلب فيها ويستحب تأخيرها لإدراك الجماعة فتأخيرها لإدراك الطهارة المشترطة أولى. قال: [ فإن تيمم في أول الوقت وصلى, أجزأه وإن أصاب الماء في الوقت] وجملة ذلك أن العادم للماء في السفر إذا صلى بالتيمم ثم وجد الماء, إن وجده بعد خروج الوقت فلا إعادة عليه إجماعا قال أبو بكر بن المنذر: أجمع أهل العلم على أن من تيمم وصلى ثم وجد الماء بعد خروج وقت الصلاة, أن لا إعادة عليه وإن وجده في الوقت لم يلزمه أيضا إعادة سواء يئس من وجود الماء في الوقت, أو غلب على ظنه وجوده فيه وبهذا قال أبو سلمة والشعبي والنخعي والثوري, ومالك والشافعي وإسحاق وابن المنذر وأصحاب الرأي وقال عطاء, وطاوس والقاسم بن محمد ومكحول, وابن سيرين والزهري وربيعة: يعيد الصلاة ولنا ما روى أبو داود, عن أبي سعيد (أن رجلين خرجا في سفر فحضرت الصلاة وليس معهما ماء, فتيمما صعيدا فصليا ثم وجدا الماء في الوقت, فأعاد أحدهما الوضوء والصلاة ولم يعد الآخر ثم أتيا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فذكرا له ذلك فقال للذي لم يعد: أصبت السنة, وأجزأتك صلاتك وقال للذي أعاد: لك الأجر مرتين) واحتج أحمد بأن ابن عمر تيمم وهو يرى بيوت المدينة فصلى العصر, ثم دخل المدينة والشمس مرتفعة فلم يعد ولأنه أدى فرضه كما أمر فلم يلزمه الإعادة كما لو وجده بعد الوقت ولأن عدم الماء عذر معتاد, فإذا تيمم معه يجب أن يسقط فرض الصلاة كالمرض ولأنه أسقط فرض الصلاة فلم يعد إلى ذمته كما لو وجده بعد الوقت. قال: [ والتيمم ضربة واحدة] المسنون عند أحمد التيمم بضربة واحدة فإن تيمم بضربتين جاز وقال القاضي: الإجزاء يحصل بضربة, والكمال ضربتان والمنصوص ما ذكرناه قال الأثرم: قلت لأبي عبد الله: التيمم ضربة واحدة؟ فقال: نعم ضربة للوجه والكفين ومن قال ضربتين, فإنما هو شيء زاده قال الترمذي: وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وغيرهم منهم علي وعمار وابن عباس, وعطاء والشعبي ومكحول, والأوزاعي ومالك وإسحاق وقال الشافعي: لا يجزئ التيمم إلا بضربتين للوجه واليدين إلى المرفقين وروي ذلك عن ابن عمر, وابنه سالم والحسن والثوري, وأصحاب الرأي لما روى ابن الصمة، (أن النبي -صلى الله عليه وسلم- تيمم فمسح وجهه وذراعيه) وروى ابن عمر وجابر, وأبو أمامة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (التيمم ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين) ولأنه بدل يؤتى به في محل مبدله, وكان حده عنهما واحدا كالوجه ولنا ما (روى عمار قال: بعثني النبي -صلى الله عليه وسلم- في حاجة فأجنبت, فلم أجد الماء فتمرغت في الصعيد كما تمرغ الدابة ثم أتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكرت ذلك له, فقال: إنما كان يكفيك أن تقول بيديك هكذا ثم ضرب بيديه الأرض ضربة واحدة ثم مسح الشمال على اليمين, وظاهر كفيه ووجهه) متفق عليه ولأنه حكم علق على مطلق اليدين فلم يدخل فيه الذراع كقطع السارق ومس الفرج, وقد احتج ابن عباس بهذا فقال: إن الله تعالى قال في التيمم: ولا يختلف المذهب أنه يجزئ التيمم بضربة واحدة وبضربتين, وإن تيمم بأكثر من ضربتين جاز أيضا لأن المقصود إيصال التراب إلى محل الفرض فكيفما حصل جاز كالوضوء فإن وصل التراب إلى وجهه ويديه بغير ضرب, نحو أن ينسف الريح عليه غبارا يعمه فإن كان قصد ذلك وأحضر النية, احتمل أن يجزئه كما لو صمد للمطر حتى جرى على أعضائه والصحيح أنه لا يجزئه لأنه لم يمسح به وقد أمر الله تعالى بالمسح به فإن مسح وجهه بما على وجهه, احتمل أن يجزئه لأنه مسح بالتراب واحتمل أن لا يجزئه لأن الله تعالى أمر بقصد الصعيد والمسح به ولم يأخذ الصعيد وإن لم يكن قصد الريح, ولا صمد لها فأخذ غير ما على وجهه فمسح به وجهه, جاز وإن أمر ما على وجهه منه على وجهه لم يجزه لأنه لم يأخذ التراب لوجهه إذا علا على يديه تراب كثير, لم يكره نفخه فإن في حديث عمار (أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ضرب بكفيه الأرض ونفخ فيهما) قال أحمد: لا يضره فعل أو لم يفعل وإن كان خفيفا فقال أصحابنا: يكره نفخه, رواية واحدة فإن ذهب ما عليها بالنفخ لم يجزه حتى يعيد الضرب لأنه مأمور بالمسح بشيء من الصعيد. قال: [ ويضرب بيديه على الصعيد الطيب وهو التراب] وجملة ذلك أنه لا يجوز التيمم إلا بتراب طاهر ذي غبار يعلق باليد لأن الله تعالى قال: وعن أحمد -رحمه الله- , رواية أخرى في السبخة والرمل أنه يجوز التيمم به قال أبو الحارث: قال أحمد: أرض الحرث أحب إلي, وإن تيمم من أرض السبخة أجزأه قال القاضي: الموضع الذي أجاز التيمم بها إذا كان لها غبار والموضع الذي منع إذا لم يكن لها غبار قال: ويمكن أن يقال في الرمل مثل ذلك وعنه أنه يجوز ذلك مع الاضطرار خاصة قال: وفي رواية سندي: أرض الحرث أجود من السبخ ومن موضع النورة والحصا, إلا أن يضطر إلى ذلك فإن اضطر أجزأه قال الخلال: إنما سهل أحمد فيها إذا اضطر إليها إذا كانت غبرة كالتراب, فأما إذا كانت قلحة كالملح فلا يتيمم بها أصلا وقال ابن أبي موسى: يتيمم عند عدم التراب بكل طاهر تصاعد على وجه الأرض مثل الرمل والسبخة والنورة والكحل, وما في معنى ذلك ويصلي وهل يعيد؟ على روايتين. فإن دق الخزف أو الطين المحرق, لم يجز التيمم به لأن الطبخ أخرجه عن أن يقع عليه اسم التراب وكذا إن نحت المرمر والكذان حتى صار غبارا لم يجز التيمم به لأنه غير تراب وإن دق الطين الصلب كالأرمني جاز التيمم به لأنه تراب. فإن ضرب بيده على لبد أو ثوب أو جوالق أو برذعة أو في شعير, فعلق بيديه غبار فتيمم به جاز نص أحمد على ذلك كله وكلام أحمد يدل على اعتبار التراب حيث كان, فعلى هذا لو ضرب بيده على صخرة أو حائط أو حيوان, أو أي شيء كان فصار على يديه غبار جاز له التيمم به وإن لم يكن فيه غبار, فلا يجوز وقد روى ابن عمر (أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ضرب يديه على الحائط ومسح بهما وجهه ثم ضرب ضربة أخرى, فمسح ذراعيه) رواه أبو داود وروى الأثرم عن عمر رضي الله عنه أنه قال: لا يتيمم بالثلج فمن لم يجد, فضفة سرجه أو معرفة دابته وأجاز مالك وأبو حنيفة, التيمم بصخرة لا غبار عليها وتراب ندي لا يعلق باليد منه غبار وأجاز مالك التيمم بالثلج والجبس, وكل ما تصاعد على وجه الأرض ولا يجوز عنده التيمم بغبار اللبد والثوب لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما ضرب بيده نفخهما ولنا قول الله تعالى: إذا خالط التراب ما لا يجوز التيمم به ، كالنورة والزرنيخ والجص ، فقال القاضي : حكمه حكم الماء إذا خالطته الطاهرات ، إن كانت الغلبة للتراب جاز ، وإن كانت الغلبة للمخالط ، لم يجز . وقال ابن عقيل : يمنع ، وإن كان قليلا . وهو مذهب الشافعي ؛ لأنه ربما حصل في العضو ، فمنع وصول التراب إليه . وهذا فيما يعلق باليد ، فأما ما لا يعلق باليد ، فلا يمنع ؛ فإن أحمد قد نص على أنه يجوز التيمم من الشعير ؛ وذلك لأنه لا يحصل على اليد منه ما يحول بين الغبار وبينها . إذا كان في طين لا يجد ترابا فحكي عن ابن عباس أنه قال: يأخذ الطين فيطلي به جسده فإذا جف تيمم به وإن خاف فوات الوقت قبل جفافه, فهو كالعادم ويحتمل أنه إن كان يجف قريبا انتظر جفافه وإن فات الوقت لأنه كطالب الماء القريب والمشتغل بتحصيله من بئر ونحوه وإن لطخ وجهه بطين, لم يجزه لأنه لم يقع عليه اسم الصعيد ولأنه لا غبار فيه أشبه التراب الندي. وإن عدم بكل حال صلى على حسب حاله وهذا قول الشافعي وقال أبو حنيفة, والثوري والأوزاعي: لا يصلي حتى يقدر ثم يقضي لأنها عبادة لا تسقط القضاء, فلم تكن واجبة كصيام الحائض وقال مالك: لا يصلي ولا يقضي لأنه عجز عن الطهارة فلم تجب عليه الصلاة, كالحائض وقال ابن عبد البر: هذه رواية منكرة عن مالك وذكر عن أصحابه قولين: أحدهما كقول أبي حنيفة والثاني يصلي على حسب حاله ويعيد ولنا ما روى مسلم في " صحيحه " (أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بعث أناسا لطلب قلادة أضلتها عائشة, فحضرت الصلاة فصلوا بغير وضوء فأتوا النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكروا ذلك له, فنزلت آية التيمم ولم ينكر النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك ولا أمرهم بإعادة) فدل على أنها غير واجبة ولأن الطهارة شرط, فلم تؤخر الصلاة عند عدمها كالسترة واستقبال القبلة وإذا ثبت هذا فإذا صلى على حسب حاله, ثم وجد الماء أو التراب لم يلزمه إعادة الصلاة في إحدى الروايتين والأخرى عليه الإعادة وهو مذهب الشافعي لأنه فقد شرط الصلاة, أشبه ما لو صلى بالنجاسة والصحيح الأول لما ذكرنا من الخبر ولأنه أتى بما أمر فخرج عن عهدته لأنه شرط من شرائط الصلاة فيسقط عند العجز عنه كسائر شروطها وأركانها ولأنه أدى فرضه على حسبه, فلم يلزمه الإعادة كالعاجز عن السترة إذا صلى عريانا والعاجز عن الاستقبال إذا صلى إلى غيرها, والعاجز عن القيام إذا صلى جالسا وقياس أبي حنيفة على الحائض في تأخير الصيام لا يصح لأن الصوم يدخله التأخير بخلاف الصلاة, بدليل أن المسافر يؤخر الصوم دون الصلاة ولأن عدم الماء لو قام مقام الحيض لأسقط الصلاة بالكلية ولأن قياس الصلاة على الصلاة أولى من قياسها على الصيام وأما قياس مالك فلا يصح (لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) وقياس الطهارة على سائر شرائط الصلاة أولى من قياسها على الحائض فإن الحيض أمر معتاد يتكرر عادة, والعجز ها هنا عذر نادر غير معتاد فلا يصح قياسه على الحيض ولأن هذا عذر نادر فلم يسقط الفرض كنسيان الصلاة وفقد سائر الشروط والله تعالى أعلم. قال: [ وينوي به المكتوبة] لا نعلم خلافا في أن التيمم لا يصح إلا بنية, غير ما حكي عن الأوزاعي والحسن بن صالح أنه يصح بغير نية وسائر أهل العلم على إيجاب النية فيه وممن قال ذلك: ربيعة ومالك, والليث والشافعي وأبو عبيد, وأبو ثور وابن المنذر وأصحاب الرأي وذلك لما ذكرنا في الوضوء, وينوي استباحة الصلاة فإن نوى رفع الحدث لم يصح لأنه لا يرفع الحدث قال ابن عبد البر: أجمع العلماء على أن طهارة التيمم لا ترفع الحدث إذا وجد الماء بل متى وجده أعاد الطهارة جنبا كان أو محدثا وهذا مذهب مالك, والشافعي وغيرهما وحكي عن أبي حنيفة أنه يرفع الحدث لأنه طهارة عن حدث يبيح الصلاة, فيرفع الحدث كطهارة الماء ولنا أنه لو وجد الماء لزمه استعماله لرفع الحدث الذي كان قبل التيمم إن كان جنبا, أو محدثا أو امرأة حائضا ولو رفع الحدث لاستوى الجميع لاستوائهم في الوجدان ولأنها طهارة ضرورة, فلم ترفع الحدث كطهارة المستحاضة وبهذا فارق الماء إذا ثبت هذا فإنه إن نوى بتيممه فريضة, فله أن يصلي ما شاء من الفرض والنفل سواء نوى فريضة معينة أو مطلقة فإن نوى نفلا أو صلاة مطلقة لم يجز أن يصلي به إلا نافلة وبهذا قال الشافعي, وقال أبو حنيفة: له أن يصلي ما شاء لأنها طهارة يصح بها النفل فصح بها الفرض كطهارة الماء ولنا قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إنما الأعمال بالنيات, وإنما لكل امرئ ما نوى) وهذا لم ينو الفرض فلا يكون له وفارق طهارة الماء لأنها ترفع الحدث المانع من فعل الصلاة, فيباح له جميع ما يمنعه الحدث ولا يلزم استباحة النفل بنية الفرض لأن الفرض أعلى ما في الباب فنيته تضمنت نية ما دونه وإذا استباحه استباح ما دونه تبعا. إذا نوى الفرض استباح كل ما يباح بالتيمم من النفل, قبل الفرض وبعده وقراءة القرآن ومس المصحف, واللبث في المسجد وبهذا قال الشافعي وأصحاب الرأي: وقال مالك: لا يتطوع قبل الفريضة بصلاة غير راتبة وحكي نحوه عن أحمد لأن النفل تبع للفرض فلا يتقدم المتبوع ولنا أنه تطوع, فأبيح له فعله إذا نوى الفرض كالسنن الراتبة وكما بعد الفرض وقوله: إنه تبع قلنا: إنما هو تبع في الاستباحة لا في الفعل, كالسنن الراتبة وقراءة القرآن وغيرهما وإن نوى نافلة أبيحت له, وأبيح له قراءة القرآن ومس المصحف والطواف لأن النافلة آكد من ذلك كله لأن الطهارتين مشترطتان لها بالإجماع, وفي اشتراطهما لما سواها خلاف فيدخل الأدنى في الأعلى كدخول النافلة في الفريضة ولأن النفل يشتمل على قراءة القرآن, فنية النفل تشمله وإن نوى شيئا من ذلك لم يبح له التنفل بالصلاة لأنه أدنى فلا يستبيح الأعلى بنيته كالفرض مع النفل وإن تيمم للطواف أبيح له قراءة القرآن, واللبث في المسجد لأنه أعلى منهما فإنه صلاة ويشترط له الطهارتان, وله نفل وفرض ويدخل في ضمنه اللبث في المسجد لأنه لا يكون إلا في المسجد وإن نوى أحدهما لم يستبح الطواف لأنه أعلى منهما وإن نوى فرض الطواف استباح نفله وإن نوى نفله, لم يستبح فرضه كالصلاة وإن نوى بتيممه قراءة القرآن لكونه جنبا أو اللبث في المسجد أو مس المصحف, لم يستبح غير ما نواه لقوله عليه السلام: " وإنما لكل امرئ ما نوى " ولأنه لم ينو ذلك ولا ما هو أعلى منه فلم يستبحه, كما لا يستبيح الفرض إذا لم ينوه وإن تيمم الصبي لإحدى الصلوات الخمس ثم بلغ لم يستبح بتيممه فرضا لأن ما نواه كان نفلا, ويباح أن يتنفل به كما لو نوى به البالغ النفل فأما إن توضأ قبل البلوغ ثم بلغ, فله أن يصلي به فرضا ونفلا لأن الوضوء للنفل يبيح فعل الفرض. قال: [ فيمسح بهما وجهه وكفيه] لا خلاف في وجوب مسح الوجه والكفين لقول الله تعالى: وإن تيمم بضربتين للوجه واليدين إلى المرفقين فإنه يمسح بالأولى وجهه, ويمسح بالثانية يديه فيضع بطون أصابع يده اليسرى على ظهور أصابع يده اليمنى ويمرها على ظهر الكف, فإذا بلغ الكوع قبض أطراف أصابعه على حرف الذراع ويمرها إلى مرفقه ثم يدير بطن كفه إلى بطن الذراع, ويمرها عليه ويرفع إبهامه فإذا بلغ الكوع أمر الإبهام على ظهر إبهام يده اليمنى, ويمسح بيده اليمنى يده اليسرى كذلك ويمسح إحدى الراحتين بالأخرى ويخلل بين أصابعهما, ولو مسح إلى المرفقين بضربة واحدة أو ثلاث أو أكثر جاز لأنه مسح محل التيمم بالغبار, فجاز كما لو مسحه بضربتين. فإن بقي من محل الفرض شيء لم يصله التراب أمر يده عليهما ما لم يفصل راحته, فإن فصل راحته وكان قد بقي عليها غبار جاز أن يمسح بها وإن لم يبق عليها غبار, احتاج إلى ضربة أخرى وإن كان المتروك من الوجه مسحه وأعاد مسح يديه ليحصل الترتيب وإن تطاول الفصل بينهما, وقلنا بوجوب الموالاة استأنف التيمم لتحصل الموالاة ويرجع في طول الفصل وقصره إلى القدر الذي ذكرناه في الطهارة لأن التيمم فرع عليها والحكم في التسمية كالحكم في التسمية في الوضوء, ما مضى من الخلاف فيه لأنه بدل منه. ويجب مسح اليدين إلى الموضع الذي يقطع منه السارق أومأ أحمد إلى هذا لما سئل عن التيمم فأومأ إلى كفه ولم يجاوزه, وقال: قال الله تعالى: فإن أوصل التراب إلى محل الفرض بخرقة أو خشبة فقال القاضي: يجزئه لأن الله تعالى أمر بالمسح, ولم يعين آلته فلا يتعين وقال ابن عقيل: فيه وجهان بناء على مسح الرأس بخرقة رطبة وإن مسح محل الفرض بيد واحدة, أو ببعض يده أجزأه إذ كانت يده أقرب إليه من غيرها وإن يممه غيره جاز, كما لو وضأه غيره وتعتبر النية في المتيمم دون الميمم لأنه الذي يتعلق الإجزاء والمنع به. قال: [ وإن كان ما ضرب بيديه غير طاهر لم يجزه] لا نعلم في هذا خلافا وبه قال الشافعي وأبو ثور, وأصحاب الرأي إلا أن الأوزاعي قال: إن تيمم بتراب المقبرة وصلى, مضت صلاته ولنا قول الله تعالى: ويجوز أن يتيمم جماعة من موضع واحد بغير خلاف كما يجوز أن يتوضأ جماعة من حوض واحد فأما ما تناثر من الوجه واليدين بعد مسحهما به, ففيه وجهان: أحدهما يجوز التيمم به لأنه لم يرفع الحدث وهذا قول أبي حنيفة والثاني لا يجوز لأنه مستعمل في طهارة أباحت الصلاة أشبه الماء المستعمل في الطهارة وللشافعي وجهان كهذين. قال: [ وإذا كان به قرح أو مرض مخوف, وأجنب فخشي على نفسه إن أصابه الماء غسل الصحيح من جسده, وتيمم لما لم يصبه الماء] هذه المسألة دالة على أحكام منها: إباحة التيمم للجنب وهو قول جمهور العلماء منهم: علي وابن عباس, وعمرو بن العاص وأبو موسى وعمار, وبه قال الثوري ومالك والشافعي, وأبو ثور وإسحاق وابن المنذر, وأصحاب الرأي وكان ابن مسعود لا يرى التيمم للجنب ونحوه عن عمر رضي الله عنهما, وروى البخاري عن شقيق بن سلمة أن أبا موسى ناظر ابن مسعود في ذلك واحتج عليه بحديث عمار, وبالآية التي في المائدة قال: فما درى عبد الله ما يقول فقال: إنا لو رخصنا لهم في هذا لأوشك إذا برد على أحدهم الماء أن يدعه ويتيمم وقال الترمذي: ويروى عن ابن مسعود أنه رجع عن قوله ومما يدل على إباحة التيمم للجنب: ما روى عمران بن حصين، (أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأى رجلا معتزلا لم يصل مع القوم, فقال: يا فلان ما منعك أن تصلي مع القوم؟ فقال: أصابتني جنابة ولا ماء قال: عليك بالصعيد, فإنه يكفيك) متفق عليه وحديث أبي ذر وعمرو بن العاص وحديث جابر في الذي أصابته الشجة لأنه حدث فيجوز له التيمم, كالحدث الأصغر ومنها أن الجريح والمريض إذا خاف على نفسه من استعمال الماء جاز له التيمم, هذا قول أكثر أهل العلم منهم ابن عباس ومجاهد وعكرمة, وطاوس والنخعي وقتادة, ومالك والشافعي ولم يرخص له عطاء في التيمم إلا عند عدم الماء لظاهر الآية ونحوه عن الحسن في المجدور الجنب, قال: لا بد من الغسل ولنا قول الله تعالى: واختلف في الخوف المبيح للتيمم ، فروي عن أحمد : لا يبيحه إلا خوف التلف . وهذا أحد قولي الشافعي . وظاهر المذهب : أنه يباح له التيمم إذا خاف زيادة المرض ، أو تباطؤ البرء ، أو خاف شيئا فاحشا ، أو ألما غير محتمل . وهذا مذهب أبي حنيفة ، والقول الثاني للشافعي . وهو الصحيح ؛ لعموم قوله تعالى : ما لا يمكن غسله من الصحيح إلا بانتشار الماء إلى الجريح حكمه حكم الجريح فإن لم يمكنه ضبطه, وقدر أن يستنيب من يضبطه لزمه ذلك فإن عجز عن ذلك تيمم وصلى وأجزأه لأنه عجز عن غسله, فأجزأه التيمم عنه كالجريح. إذا كان الجريح جنبا فهو مخير إن شاء قدم التيمم على الغسل وإن شاء أخره, بخلاف ما إذا كان التيمم لعدم ما يكفيه لجميع أعضائه فإنه يلزمه استعمال الماء أولا لأن التيمم للعدم ولا يتحقق إلا بعد فراغ الماء, وها هنا التيمم للعجز عن استعماله في الجريح وهو متحقق على كل حال ولأن الجريح يعلم أن التيمم بدل عن غسل الجرح والعادم لما يكفي جميع أعضائه لا يعلم القدر الذي يتيمم له إلا بعد استعمال الماء وفراغه, فلزمه تقديم استعماله وإن كان الجريح يتطهر للحدث الأصغر فذكر القاضي أنه يلزمه الترتيب فيجعل التيمم في مكان الغسل الذي يتيمم بدلا عنه فإن كان الجرح في وجهه بحيث لا يمكنه غسل شيء منه, لزمه التيمم أولا ثم يتيمم للوضوء وإن كان في بعض وجهه خير بين غسل صحيح وجهه ثم تيمم وبين أن يتيمم ثم يغسل صحيح وجهه ويتمم وضوءه وإن كان الجرح في عضو آخر, لزمه غسل ما قبله ثم كان فيه على ما ذكرنا في الوجه وإن كان في وجهه ويديه ورجليه احتاج في كل عضو إلى تيمم في محل غسله, ليحصل الترتيب ولو غسل صحيح وجهه ثم تيمم له وليديه تيمما واحدا لم يجزه لأنه يؤدي إلى سقوط الفرض عن جزء من الوجه واليدين في حالة واحدة فإن قيل: يبطل هذا بالتيمم عن جملة الطهارة, حيث يسقط الفرض عن جميع الأعضاء جملة واحدة قلنا: إذا كان عن جملة الطهارة فالحكم له دونها وإن كان عن بعضها, ناب عن ذلك البعض فاعتبر فيه ما يعتبر فيما ينوب عنه من الترتيب ويحتمل أن لا يجب هذا الترتيب لأن التيمم طهارة مفردة فلا يجب الترتيب بينها وبين الطهارة الأخرى, كما لو كان الجريح جنبا ولأنه تيمم عن الحدث الأصغر فلم يجب أن يتيمم عن كل عضو في موضع غسله كما لو تيمم عن جملة الوضوء ولأن في هذا حرجا وضررا, فيندفع بقوله تعالى: وإن تيمم الجريح لجرح في بعض أعضائه ، ثم خرج الوقت ، بطل تيممه ، ولم تبطل طهارته بالماء إن كانت غسلا لجنابة أو نحوها ؛ لأن الترتيب والموالاة غير واجبين فيها . وإن كانت وضوءا ، وكان الجرح في وجهه ، خرج بطلان الوضوء على الوجهين اللذين في الفصل الذي قبل هذا ؛ فمن أوجب الترتيب أبطل الوضوء هاهنا ؛ لأن طهارة العضو الذي ناب التيمم عنه بطلت ، فلو لم يبطل فيما بعده لتقدمت طهارة ما بعده عليه ، فيفوت الترتيب . "ومن" لم يوجب الترتيب لم يبطل الوضوء ، وجوز له أن يتيمم لا غير . وإن كان الجرح في إحدى رجليه ، أو فيهما ، فعلى قول من لا يوجب الترتيب بين الوضوء والتيمم ، لا تجب الموالاة بينهما أيضا ، وعليه التيمم وحده . ومن أوجب الترتيب ، فقياس قوله : أن يكون في الموالاة وجهان ، بناء على الموالاة في الوضوء ، وفيها روايتان ؛ إحداهما ، تجب ، فتجب هاهنا ، ويبطل الوضوء لفواتها . والثانية لا تجب ، فيكفيه التيمم وحده . ويحتمل أن لا تجب الموالاة بين الوضوء والتيمم ، وجها واحدا ؛ لأنهما طهارتان ، فلم تجب المولاة بينهما ، كسائر الطهارات ؛ ولأن في إيجابها حرجا ، فينتفي بقوله سبحانه : وإن خاف من شدة البرد وأمكنه أن يسخن الماء, أو يستعمله على وجه يأمن الضرر مثل أن يغسل عضوا عضوا وكلما غسل شيئا ستره, لزمه ذلك وإن لم يقدر تيمم وصلى في قول أكثر أهل العلم وقال عطاء والحسن: يغتسل, وإن مات لم يجعل الله له عذرا ومقتضى قول ابن مسعود: أنه لا يتيمم فإنه قال: لو رخصنا لهم في هذا لأوشك أحدهم إذا برد عليه الماء أن يتيمم ويدعه ولنا قول الله تعالى: قال: [ وإذا تيمم صلى الصلاة التي حضر وقتها, وصلى به فوائت إن كانت عليه والتطوع إلى أن يدخل وقت صلاة أخرى] المذهب أن التيمم يبطل بخروج الوقت ودخوله ولعل الخرقي إنما علق بطلانه, بدخول وقت صلاة أخرى تجوزا منه إذا كان خروج وقت الصلاة ملازما لدخول وقت الأخرى إلا في موضع واحد, وهو وقت الفجر فإنه يخرج منفكا عن دخول وقت الظهر ويبطل التيمم بكل واحد منهما فلا يجوز أن يصلي به صلاتين في وقتين, روي ذلك عن علي وابن عمر وابن عباس, رضي الله عنهم والشعبي والنخعي, وقتادة ويحيى الأنصاري وربيعة, ومالك والشافعي والليث, وإسحاق وروى الميمونى عن أحمد في المتيمم قال: إنه ليعجبني أن يتيمم لكل صلاة, ولكن القياس أنه بمنزلة الطهارة حتى يجد الماء أو يحدث لحديث النبي -صلى الله عليه وسلم- في الجنب يعني قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: يا أبا ذر (الصعيد الطيب طهور المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين, فإذا وجدت الماء فأمسه بشرتك) وهو مذهب سعيد بن المسيب والحسن والزهري, والثوري وأصحاب الرأي وروي عن ابن عباس وأبي جعفر لأنها طهارة تبيح الصلاة, فلم تتقدر بالوقت كطهارة الماء ولنا ما روى الحارث عن علي رضي الله عنه أنه قال: التيمم لكل صلاة وابن عمر قال: تيمم لكل صلاة ولأنها طهارة ضرورة, فتقيدت بالوقت كطهارة المستحاضة وطهارة الماء ليست للضرورة بخلاف مسألتنا والحديث أراد به أنه يشبه الوضوء في إباحة الصلاة, ويلزمه التساوي في جميع الأحكام إذا ثبت هذا فإنه إذا نوى بتيممه مكتوبة فله أن يصلي به ما شاء من الصلوات, فيصلي الحاضرة ويجمع بين الصلاتين ويقضي فوائت, ويتطوع قبل الصلاة وبعدها هذا قول أبي ثور وقال مالك والشافعي: لا يصلي به فرضين وقد روي عن أحمد أنه قال: لا يصلي بالتيمم إلا صلاة واحدة, ثم يتيمم للأخرى وهذا يحتمل أن يكون مثل قولهما لما روي عن ابن عباس أنه قال: من السنة أن لا يصلي بالتيمم إلا صلاة واحدة ثم يتيمم للأخرى وهذا مقتضى سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- ولأنها طهارة ضرورة فلا يجمع بها بين فريضتين, كما لو كانا في وقتين ولنا أنها طهارة صحيحة أباحت فرضا فأباحت فرضين, كطهارة الماء ولأنه بعد الفرض الأول تيمم صحيح مبيح للتطوع نوى به المكتوبة فكان له أن يصلي به فرضا, كحالة ابتدائه ولأن الطهارة في الأصول إنما تتقيد بالوقت دون الفعل كطهارة الماسح على الخف, وهذه في النوافل وطهارة المستحاضة ولأن كل تيمم أباح صلاة أباح ما هو من نوعها بدليل صلوات النوافل وأما حديث ابن عباس, فيرويه الحسن بن عمارة وهو ضعيف ثم يحتمل أنه أراد أن لا يصلي به صلاتين في وقتين بدليل أنه يجوز أن يصلي به صلوات من التطوع, ويجمع بين صلاتين فرض ونفل وإنما امتنع الجمع بين فرضي وقتين لبطلان التيمم, بخروج وقت الأولى منها إذا ثبت هذا فإن الخرقي إنما ذكر قضاء الفوائت والتطوع ولم يذكر الجمع بين صلاتين, وكذا ذكر الإمام أحمد فيحتمل أن لا يجوز الجمع بين الصلاتين وهو مذهب أبي ثور والصحيح جواز الجمع لما ذكرنا من الأدلة ولأن ما أباح فرضين فائتين ما أباح فرضين في الجمع كسائر الطهارات وقال الماوردي: ليس للمتيمم أن يجمع بين صلاتين بحال لأن الصلاة الثانية تفتقر إلى تيمم, والتيمم يفتقر إلى طلب والطلب يقطع الجمع ومن شرطه الموالاة - يعني على مذهب الشافعي - وهذا ينبغي أن يتقيد بالجمع في وقت الأولى, فأما الجمع في وقت الثانية فلا تشترط له الموالاة في الصحيح فإن قيل: فكيف يمكن قضاء الفوائت والترتيب شرط, فيجب تقديم الفائتة على الحاضرة فكيف تتأخر الفائتة عنها؟ قلنا: يمكن ذلك لوجوه: أحدها أن يقدم الفائتة على الحاضرة الثاني أن ينسى الفائتة ثم يذكرها بعد الحاضرة الثالث أن يخشى فوات وقت الحاضرة فيصليها, ثم يصلي في بقية الوقت فوائت الرابع أنه إذا كثرت الفوائت بحيث لا يمكن قضاؤها قبل خروج وقت الحاضرة فله أن يصلي الحاضرة في الجماعة في أول الوقت ويقدمها على الفوائت, في إحدى الروايتين فإنه لا بد من تقديمها على بعض الفوائت فلا فائدة في تأخيرها ولأنه لو لزم تأخيرها إلى آخر وقتها للزم ترك الجماعة الحاضرة بالكلية قال: [ وإذا خاف العطش حبس الماء وتيمم, ولا إعادة عليه] قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن المسافر إذا كان معه ماء وخشي العطش أنه يبقي ماءه للشرب, ويتيمم منهم علي وابن عباس والحسن, وعطاء ومجاهد وطاوس, وقتادة والضحاك والثوري, ومالك والشافعي وإسحاق, وأصحاب الرأي ولأنه خائف على نفسه من استعمال الماء فأبيح له التيمم كالمريض. وإن خاف على رفيقه, أو رقيقه أو بهائمه فهو كما لو خاف على نفسه لأن حرمة رفيقه كحرمة نفسه, والخائف على بهائمه خائف من ضياع ماله فأشبه ما لو وجد ماء بينه وبينه لص أو سبع يخافه على بهيمته أو شيء من ماله وإن وجد عطشان يخاف تلفه لزمه سقيه, ويتيمم قيل لأحمد: الرجل معه إداوة من ماء للوضوء فيرى قوما عطاشا أحب إليك أن يسقيهم أو يتوضأ؟ قال: يسقيهم ثم ذكر عدة من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتيممون, ويحبسون الماء لشفاههم وقال أبو بكر والقاضي: لا يلزمه بذله لأنه محتاج إليه ولنا أن حرمة الآدمي تقدم على الصلاة بدليل ما لو رأى حريقا, أو غريقا في الصلاة عند ضيق وقتها لزمه ترك الصلاة, والخروج لإنقاذه فلأن يقدمها على الطهارة بالماء أولى وقد روي في الخبر, أن بغيا أصابها العطش فنزلت بئرا فشربت منه فلما صعدت رأت كلبا يلحس الثرى من العطش, فقالت: لقد أصاب هذا من العطش مثل ما أصابني فنزلت فسقته بموقها فغفر الله لها فإذا كان هذا الأجر من سقى الكلب فغيره أولى. وإذا وجد الخائف من العطش ماء طاهرا, وماء نجسا يكفيه أحدهما لشربه فإنه يحبس الماء الطاهر لشربه ويريق النجس إن استغنى عن شربه وقال القاضي: يتوضأ بالطاهر, ويحبس النجس لشربه لأنه وجد ماء طاهرا مستغنى عن شربه فأشبه ما لو كان ماء كثيرا طاهرا ولنا أنه لا يقدر على ما يجوز الوضوء به ولا على ما يجوز له شربه سوى هذا الطاهر, فجاز له حبسه إذا خاف العطش كما لو لم يكن معه سواه وإن وجدهما وهو عطشان شرب الطاهر, وأراق النجس إذا استغنى عنه سواء كان في الوقت أو قبله وقال بعض الشافعية: إن كان في الوقت شرب النجس لأن الطاهر مستحق الطهارة, فهو كالمعدوم وليس بصحيح لأن شرب النجس حرام وإنما يصير الطاهر مستحقا للطهارة إذا استغنى عن شربه وهذا غير مستغن عن شربه, ووجود النجس كعدمه لتحريم شربه. وإذا كان الماء موجودا إلا أنه إذا اشتغل بتحصيله واستعماله فات الوقت لم يبح له التيمم سواء كان حاضرا أو مسافرا, في قول أكثر أهل العلم منهم: الشافعي وأبو ثور وابن المنذر, وأصحاب الرأي وعن الأوزاعي والثوري: له التيمم رواه عنهما الوليد بن مسلم قال الوليد: فذكرت ذلك لمالك وابن أبي ذئب, وسعيد بن عبد العزيز فقالوا: يغتسل وإن طلعت الشمس وذلك لقول الله تعالى: قال: [ وإذا نسي الجنابة وتيمم للحدث لم يجزه] وبهذا قال مالك وأبو ثور وقال أبو حنيفة, والشافعي: يجزئه لأن طهارتهما واحدة فسقطت إحداهما بفعل الأخرى كالبول والغائط ولنا قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إنما الأعمال بالنيات, وإنما لكل امرئ ما نوى) وهذا لم ينو الجنابة فلم يجزه عنها ولأنهما سببان مختلفان فلم تجز نية أحدهما عن الآخر, كالحج والعمرة ولأنهما طهارتان فلم تتأد إحداهما بنية الأخرى كطهارة الماء عند الشافعي, وفارق ما قاسوا عليه فإن حكمهما واحد وهو الحدث الأصغر ولهذا تجزئ نية أحدهما عن نية الآخر في طهارة الماء. وإن تيمم للجنابة, لم يجزه عن الحدث الأصغر لما ذكرنا والخلاف فيها كالتي قبلها فعلى هذا يحتاج إلى تعيين ما تيمم له من الحدث الأصغر والجنابة والحيض والنجاسة فإن نوى الجميع بتيمم واحد أجزأه لأن فعله واحد فأشبه طهارة الماء, وإن نوى بعضها أجزأه عن المنوي دون ما سواه وإن كان التيمم عن جرح في عضو من أعضائه نوى التيمم عن غسل ذلك العضو. وإذا تيمم للجنابة دون الحدث, أبيح له ما يباح للمحدث من قراءة القرآن واللبث في المسجد ولم تبح له الصلاة, والطواف ومس المصحف وإن أحدث لم يؤثر ذلك في تيممه لأنه نائب عن الغسل فلم يؤثر الحدث فيه, كالغسل وإن تيمم للجنابة والحدث ثم أحدث بطل تيممه للحدث, وبقي تيمم الجنابة بحاله ولو تيممت المرأة بعد طهرها من حيضها لحدث الحيض ثم أجنبت, لم يحرم وطؤها لأن حكم تيمم الحيض باق ولا يبطل بالوطء لأن الوطء إنما يوجب حدث الجنابة قال ابن عقيل: وإن قلنا كل صلاة تحتاج إلى تيمم احتاج كل وطء إلى تيمم يخصه, والأول أصح. قال: [ وإذا وجد المتيمم الماء وهو في الصلاة خرج فتوضأ, أو اغتسل إن كان جنبا واستقبل الصلاة] المشهور في المذهب أن المتيمم إذا قدر على استعمال الماء بطل تيممه سواء كان في الصلاة أو خارجا منها فإن كان في الصلاة بطلت, لبطلان طهارته ويلزمه استعمال الماء فيتوضأ إن كان محدثا, ويغتسل إن كان جنبا وبهذا قال الثوري وأبو حنيفة وقال مالك والشافعي, وأبو ثور وابن المنذر: إن كان في الصلاة مضى فيها وقد روي ذلك عن أحمد, إلا أنه روي عنه ما يدل على رجوعه عنه قال المروذي: قال أحمد: كنت أقول يمضي ثم تدبرت فإذا أكثر الأحاديث على أنه يخرج وهذا يدل على رجوعه عن هذه الرواية واحتجوا بأنه وجد المبدل بعد التلبس بمقصود البدل فلم يلزمه الخروج, كما لو وجد الرقبة بعد التلبس بالصيام ولأنه غير قادر على استعمال الماء لأن قدرته تتوقف على إبطال الصلاة وهو منهي عن إبطالها بقوله تعالى: والمصلي على حسب حاله بغير وضوء ولا تيمم إذا وجد ماء في الصلاة, أو ترابا خرج منها بكل حال لأنها صلاة بغير طهارة ويحتمل أن يخرج فيها مثل ما في التيمم إذا وجد الماء إذا قلنا إنه لا تلزمه الإعادة ولأن الطهارة شرط سقط اعتباره فأشبهت السترة إذا عجز عنها فصلى عريانا, ثم وجد السترة في أثناء الصلاة قريبا منه وكل صلاة يلزمه إعادتها فإنه يلزمه الخروج منها إذا زال العذر, ويلزمه استقبالها وإن قلنا لا يلزمه إعادتها فإنها تشبه صلاة المتيمم إذا وجد الماء على ما مضى من القول فيها. ولو يمم الميت, ثم قدر على الماء في أثناء الصلاة عليه لزمه الخروج لأن غسل الميت ممكن غير متوقف على إبطال المصلي صلاته, بخلاف مسألتنا ويحتمل أن تكون كمسألتنا لأن الماء وجد بعد الدخول في الصلاة. وإذا قلنا لا يلزم المصلي الخروج لرؤية الماء فهل يجوز له الخروج؟ فيه وجهان: أحدهما, له ذلك لأنه شرع في مقصود البدل فخير بين الرجوع إلى المبدل وبين إتمام ما شرع فيه, كمن شرع في صوم الكفارة ثم أمكنه الرقبة والثاني لا يجوز له الخروج لأن ما لا يوجب الخروج من الصلاة لا يبيح الخروج منها كسائر الأشياء ولأصحاب الشافعي وجهان, كهذين. إذا رأى ماء في الصلاة ثم انقلب قبل استعماله فإن قلنا يلزمه الخروج من الصلاة فقد بطلت صلاته وتيممه برؤية الماء, والقدرة عليه ويلزمه استئناف التيمم والصلاة وإن قلنا لا تبطل صلاته واندفق وهو فيها, فقال ابن عقيل: ليس له أن يصلي بذلك التيمم صلاة أخرى وهذا مذهب الشافعي لأن رؤية الماء حرمت عليه افتتاح صلاة أخرى ولو تلبس بنافلة ثم رأى ماء فإن كان نوى عددا أتى به وإن لم يكن نوى عددا, لم يكن له أن يزيد على ركعتين لأنه أقل الصلاة على ظاهر المذهب قال الشيخ -رحمه الله-: ويقوى عندي أننا إذا قلنا لا تبطل الصلاة برؤية الماء فله افتتاح صلاة أخرى لأن رؤية الماء لم تبطل التيمم, ولو بطل لبطلت الصلاة وما وجد بعدها لا يبطله فأشبه ما لو رآه وبينه وبينه سبع ثم اندفق قبل زوال المانع, وله أن يصلي ما يشاء كما لو لم ير الماء. إذا تيمم ثم رأى ركبا يظن أن معه ماء, وقلنا بوجوب الطلب أو رأى خضرة أو شيئا يدل على الماء في موضع يلزمه الطلب فيه, بطل تيممه وكذلك إن رأى سرابا ظنه ماء بطل تيممه وهذا مذهب الشافعي لأنه لما وجب الطلب بطل التيمم وسواء تبين له خلاف ظنه أو لم يتبين فأما إن رأى الركب أو الخضرة في الصلاة, لم تبطل صلاته ولا تيممه لأنه دخل فيها بطهارة متيقنة فلا تزول بالشك ويحتمل أن لا يبطل تيممه أيضا, إذا كان خارجا من الصلاة لأن الطهارة المتيقنة لا تبطل بالشك كطهارة الماء ووجوب الطلب ليس بمبطل للتيمم لأن كونه مبطلا إنما يثبت بدليل شرعي, وليس في هذا نص ولا معنى نص فينتفي الدليل. وإن خرج وقت الصلاة ، وهو فيها ، بطل تيممه ، وبطلت صلاته ؛ لأن طهارته انتهت بانتهاء وقتها ، فبطلت صلاته ، كما لو انقضت مدة المسح ، وهو في الصلاة . ويبطل التيمم عن الحدث بكل ما يبطل الوضوء, ويزيد برؤية الماء المقدور على استعماله وخروج الوقت وزاد بعض أصحابنا ظن وجود الماء, على ما ذكرنا وزاد بعضهم ما لو نزع عمامة أو خفا يجوز له المسح عليه فإنه يبطل تيممه وذكر أن أحمد نص عليه لأنه مبطل للوضوء فأبطل التيمم, كسائر مبطلاته والصحيح أن هذا ليس بمبطل للتيمم وهذا قول سائر الفقهاء لأن التيمم طهارة لم يمسح فيها عليه فلا يبطل بنزعه, كطهارة الماء وكما لو كان الملبوس مما لا يجوز المسح عليه ولا يصح قولهم: إنه مبطل للوضوء لأن مبطل الوضوء نزع ما هو ممسوح عليه فيه, ولم يوجد ها هنا ولأن إباحة المسح لا يصير بها ماسحا ولا بمنزلة الماسح كما لو لبس عمامة يجوز المسح عليها, ومسح على رأسه من تحتها فإنه لا تبطل طهارته بنزعها فأما التيمم للجنابة فلا يبطله إلا رؤية الماء, وخروج الوقت وموجبات الغسل وكذلك التيمم لحدث الحيض والنفاس, لا يزول حكمه إلا بحدثهما أو بأحد الأمرين. يجوز التيمم لكل ما يتطهر له من نافلة أو مس مصحف, أو قراءة قرآن أو سجود تلاوة أو شكر, أو لبث في مسجد قال أحمد يتيمم ويقرأ جزأه يعني الجنب وبذلك قال عطاء ومكحول, والزهري وربيعة ويحيى الأنصاري, ومالك والشافعي والثوري, وأصحاب الرأي وقال أبو مخرمة: لا يتيمم إلا لمكتوبة وكره الأوزاعي أن يمس المتيمم المصحف ولنا قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (الصعيد الطيب طهور المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين) وقوله عليه السلام: (جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا) ولأنه يستباح بطهارة الماء, فيستباح بالتيمم كالمكتوبة. وإن كانت على بدنه نجاسة ، وعجز عن غسلها ؛ لعدم الماء ، أو خوف الضرر باستعماله تيمم لها وصلى . قال أحمد : هو بمنزلة الجنب ، يتيمم . وروي معنى ذلك عن الحسن . وروي عن الأوزاعي ، والثوري ، وأبي ثور : يمسحها بالتراب ، ويصلي ؛ لأن طهارة النجاسة إنما تكون في محل النجاسة دون غيره . وقال القاضي : يحتمل أن يكون معنى قول أحمد : إنه بمنزلة الجنب الذي يتيمم ، أي أنه يصلي على حسب حاله كما يصلي الجنب الذي يتيمم ، وهذا قول الأكثرين من الفقهاء ؛ لأن الشرع إنما ورد بالتيمم للحدث ، وغسل النجاسة ليس في معناه ؛ لأنه إنما يؤتى به في محل النجاسة ، لا في غيره ؛ ولأن مقصود الغسل إزالة النجاسة ، ولا يحصل ذلك بالتيمم . ولنا قوله عليه السلام : (الصعيد الطيب طهور المسلم ، وإن لم يجد الماء عشر سنين) ، وقوله : (جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا) ؛ ولأنها طهارة في البدن تراد للصلاة ، فجاز لها التيمم عند عدم الماء ، أو خوف الضرر باستعماله كالحدث ويفارق الغسل التيمم فإنه في طهارة الحدث يؤتى به في غير محله ، فيما إذا تيمم لجرح في رجله ، أو موضع من بدنه غير وجهه ويديه ، بخلاف الغسل ، وقولهم : لم يرد به الشرع . قلنا : هو داخل في عموم الأخبار ، وفي معنى طهارة الحدث ؛ لما ذكرنا . فإذا ثبت هذا ، فإنه إذا تيمم للنجاسة وصلى ، فهل يلزمه الإعادة ؟ على روايتين . وقال أبو الخطاب : إن كان على جرحه نجاسة يستضر بإزالتها ، تيمم وصلى ولا إعادة عليه . وإن تيمم للنجاسة عند عدم الماء وصلى ، لزمته الإعادة عندي . وقال أصحابنا : لا تلزمه الإعادة ؛ لقوله عليه السلام : (التراب كافيك ما لم تجد الماء) ؛ ولأنها طهارة ناب عنها التيمم ، فلم تجب الإعادة فيها ، كطهارة الحدث ، وكما لو تيمم لنجاسة على جرحه يضره إزالتها ؛ ولأنه لو صلى من غير تيمم لم يلزمه الإعادة ، فمع التيمم أولى ؛ فأما إن كانت النجاسة على ثوبه ، أو غير بدنه ، فإنه لا يتيمم لها ؛ لأن التيمم طهارة في البدن ، فلا ينوب عن غير البدن كالغسل ؛ ولأن غير البدن لا ينوب فيه الجامد عند العجز ، بخلاف البدن . فإن اجتمع عليه نجاسة وحدث ومعه ما لا يكفي إلا أحدهما, غسل النجاسة وتيمم للحدث نص على هذا أحمد وقال الخلال: اتفق أبو عبد الله وسفيان على هذا ولا نعلم فيه خلافا وذلك لأن التيمم للحدث ثابت بالنص والإجماع ومختلف فيه للنجاسة وإن كانت النجاسة على ثوبه, قدم غسلها وتيمم للحدث وروي عن أحمد: أنه يتوضأ ويدع الثوب لأنه واجد للماء, والوضوء أشد من غسل الثوب وحكاه أبو حنيفة عن حماد في الدم والأول أولى لما ذكرناه لأنه إذا قدم غسل نجاسة البدن مع أن للتيمم فيها مدخلا فتقديم طهارة الثوب أولى, وإن اجتمع نجاسة على الثوب ونجاسة على البدن وليس معه إلا ما يكفي أحدهما, غسل الثوب وتيمم لنجاسة البدن لأن للتيمم فيها مدخلا. وإذا اجتمع جنب وميت ومن عليها غسل حيض ومعهم ماء لا يكفي إلا أحدهم فإن كان ملكا لأحدهم, فهو أحق به فإنه يحتاج إليه لنفسه ولا يجوز له بذله لغيره, سواء كان مالكه الميت أو أحد الحيين وإن كان الماء لغيرهم وأراد أن يجود به على أحدهم فعن أحمد, -رحمه الله- روايتان: إحداهما الميت أحق به لأن غسله خاتمة طهارته فيستحب أن تكون طهارة كاملة, والحي يرجع إلى الماء فيغتسل ولأن القصد بغسل الميت تنظيفه ولا يحصل بالتيمم والحي يقصد بغسله إباحة الصلاة, ويحصل ذلك بالتراب والثانية الحي أولى لأنه متعبد بالغسل مع وجود الماء والميت قد سقط الفرض عنه بالموت اختار هذا الخلال وهل يقدم الجنب أو الحائض؟ فيه وجهان: أحدهما الحائض لأنها تقضي حق الله تعالى وحق زوجها في إباحة وطئها والثاني: الجنب إذا كان رجلا لأن الرجل أحق بالكمال من المرأة ولأنه يصلح إماما لها, وهي لا تصلح لإمامته وإن كان على أحدهم نجاسة فهو أولى به وإن وجدوا الماء في مكان فهو للأحياء لأن الميت لا يجد شيئا وإن كان للميت ففضلت منه فضلة فهو لورثته, فإن لم يكن له وارث حاضر فللحي أخذه بقيمته لأن في تركه إتلافه وقال بعض أصحابنا: ليس له أخذه لأن مالكه لم يأذن له فيه إلا أن يحتاج إليه للعطش فيأخذه بشرط الضمان وإن اجتمع جنب ومحدث, فالجنب أحق إن كان الماء يكفيه لأنه يستفيد به ما لا يستفيده المحدث وإن كان وفق حاجة المحدث فهو أولى به لأنه يستفيد به طهارة كاملة وإن كان لا يكفي واحدا منهما فالجنب أولى به لأنه يستفيد به تطهير بعض أعضائه وإن كان يكفي كل واحد منهما ويفضل منه فضلة لا تكفي الآخر, فالمحدث أولى لأن فضلته يمكن للجنب استعمالها ويحتمل أن الجنب أولى لأنه يستفيد بغسله ما لا يستفيد المحدث وإذا تغلب من غيره أولى منه على الماء فاستعمله, كان مسيئا وأجزأه لأن الآخر لم يملكه وإنما رجح لشدة حاجته. وهل يكره للعادم جماع زوجته إذا لم يخف العنت؟ فيه روايتان إحداهما يكره لأنه يفوت على نفسه طهارة ممكنا بقاؤها والثانية لا يكره, وهو قول جابر بن زيد والحسن وقتادة, والثوري والأوزاعي وإسحاق, وأصحاب الرأي وابن المنذر وحكي عن الأوزاعي أنه إن كان بينه وبين أهله أربع ليال فليصب أهله, وإن كان ثلاث فما دونها فلا يصبها والأولى جواز إصابتها من غير كراهة لأن (أبا ذر قال للنبي -صلى الله عليه وسلم-: إني أعزب عن الماء ومعي أهلي فتصيبني الجنابة فأصلي بغير طهور؟ فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: الصعيد الطيب طهور) رواه أبو داود والنسائي وأصاب ابن عباس من جارية له رومية, وهو عادم للماء وصلى بأصحابه وفيهم عمار فلم ينكروه قال إسحاق بن راهويه: هو سنة مسنونة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في أبي ذر وعمار وغيرهما فإذا فعلا ووجدا من الماء ما يغسلان به فرجيهما غسلاهما, ثم تيمما وإن لم يجدا تيمما للجنابة والحدث الأصغر والنجاسة, وصليا. قال: [ وإذا شد الكسير الجبائر وكان طاهرا ولم يعد بها موضع الكسر مسح عليها كلما أحدث, إلى أن يحلها] الجبائر: ما يعد لوضعه على الكسر لينجبر وقوله: " ولم يعد بها موضع الكسر " أراد لم يتجاوز الكسر إلا بما لا بد من وضع الجبيرة عليه فإن الجبيرة إنما توضع على طرفي الصحيح ليرجع الكسر قال الخلال: كأن أبا عبد الله استحب أن يتوقى أن يبسط الشد على الجرح بما يجاوزه ثم سهل في مسألة الميموني والمروذي لأن هذا مما لا ينضبط, وهو شديد جدا ولا بأس بالمسح على العصائب كيف شدها والصحيح ما ذكرناه إن شاء الله لأنه إذا شدها على مكان يستغنى عن شدها عليه, كان تاركا لغسل ما يمكنه غسله من غير ضرر فلم يجز, كما لو شدها على ما لا كسر فيه فإذا شدها على طهارة وخاف الضرر بنزعها, فله أن يمسح عليها إلى أن يحلها وممن رأى المسح على العصائب ابن عمر وعبيد بن عمير, وعطاء وأجاز المسح على الجبائر الحسن والنخعي ومالك, وإسحاق والمزني وأبو ثور, وأصحاب الرأي وقال الشافعي في أحد قوليه: يعيد كل صلاة صلاها لأن الله تعالى أمر بالغسل ولم يأت به ولنا ما روى علي رضي الله عنه قال: (انكسرت إحدى زندي, فأمرني النبي -صلى الله عليه وسلم- أن أمسح على الجبائر) رواه ابن ماجه وحديث جابر في الذي أصابته الشجة ولأنه قول ابن عمر ولم يعرف له في الصحابة مخالفا ولأنه مسح على حائل أبيح له المسح عليه فلم تجب معه الإعادة, كالمسح على الخف. ويفارق مسح الجبيرة مسح الخف من خمسة أوجه: أحدها أنه لا يجوز المسح عليها إلا عند الضرر بنزعها والخف بخلاف ذلك والثاني, أنه يجب استيعابها بالمسح لأنه لا ضرر في تعميمها به بخلاف الخف فإنه يشق تعميم جميعه ويتلفه المسح وإن كان بعضها في محل الفرض, وبعضها في غيره مسح ما حاذى محل الفرض نص عليه أحمد الثالث أنه يمسح على الجبيرة من غير توقيت بيوم وليلة ولا ثلاثة أيام لأن مسحها للضرورة فيقدر بقدرها, والضرورة تدعو في مسحها إلى حلها فيقدر بذلك دون غيره الرابع أنه يمسح عليها في الطهارة الكبرى, بخلاف غيرها لأن الضرر يلحق بنزعها فيها بخلاف الخف الخامس أنه لا يشترط تقدم الطهارة على شدها في إحدى الروايتين اختاره الخلال وقال: قد روى حرب, وإسحاق والمروذي في ذلك سهولة عن أحمد واحتج بابن عمر, وكأنه ترك قوله الأول وهو أشبه لأن هذا مما لا ينضبط ويغلظ على الناس جدا, فلا بأس به ويقوي هذا حديث جابر في الذي أصابته الشجة فإنه قال: (إنما كان يجزئه أن يعصب على جرحه خرقة, ويمسح عليها) ولم يذكر الطهارة وكذلك أمر عليا أن يمسح على الجبائر ولم يشترط طهارة ولأن المسح عليها جاز دفعا لمشقة نزعها, ونزعها يشق إذا لبسها على غير طهارة كمشقته إذا لبسها على طهارة والرواية الثانية: لا يمسح عليها إلا أن يشدها على طهارة وهو ظاهر كلام الخرقي لأنه حائل يمسح عليه, فكان من شرط المسح عليه تقدم الطهارة كسائر الممسوحات فعلى هذا إذا لبسها على غير طهارة ثم خاف من نزعها, تيمم لها وكذا إذا تجاوز بالشد عليها موضع الحاجة وخاف من نزعها تيمم لها لأنه موضع يخاف الضرر باستعمال الماء فيه, فيتيمم له كالجرح نفسه. ولا يحتاج مع مسحها إلى تيمم ، ويحتمل أن يتيمم مع مسحها فيما إذا تجاوز بها موضع الحاجة ؛ لأن ما على موضع الحاجة يقتضي المسح ، والزائد يقتضي التيمم ، وكذلك فيما إذا شدها على غير طهارة ؛ لأنها مختلف في إباحة المسح عليها . فإذا قلنا لا يمسح عليها . كان فرضها التيمم . وعلى القول الآخر يكون فرضها المسح ، فإذا جمع بينهما خرج من الخلاف ، ومذهب الشافعي في الجمع بينهما قولان في الجملة لحديث جابر في الذي أصابته الشجة . ولنا أنه محل واحد ، فلا يجمع فيه بين بدلين ، كالخف ؛ ولأنه ممسوح في طهارة ، فلم يجب له التيمم ، كالخف ، وصاحب الشجة ، الظاهر أنه لبسها على غير طهارة . ولا فرق بين كون الشد على كسر أو جرح قال أحمد: إذا توضأ وخاف على جرحه الماء, مسح على الخرقة وحديث جابر في صاحب الشجة إنما هو في المسح على عصابة جرح لأن الشجة اسم لجرح الرأس خاصة ولأنه حائل موضع يخاف الضرر بغسله فأشبه الشد على الكسر وكذلك إن وضع على جرحه دواء وخاف من نزعه, مسح عليه نص عليه أحمد قال الأثرم: سألت أبا عبد الله عن الجرح يكون بالرجل يضع عليه الدواء, فيخاف إن نزع الدواء إذا أراد الوضوء أن يؤذيه؟ قال: ما أدري ما يؤذيه ولكن إذا خاف على نفسه أو خوف من ذلك, مسح عليه وروى الأثرم بإسناده عن ابن عمر أنه خرجت بإبهامه قرحة, فألقمها مرارة فكان يتوضأ عليها ولو انقطع ظفر إنسان أو كان بأصبعه جرح خاف إن أصابه الماء أن يزرق الجرح, جاز المسح عليه نص عليه أحمد وقال القاضي في اللصوق على الجرح: إن لم يكن في نزعه ضرر نزعه وغسل الصحيح, ويتيمم للجرح ويمسح على موضع الجرح فإن كان في نزعه ضرر فحكمه حكم الجبيرة, يمسح عليه. فإن كان في رجله شق فجعل فيه قيرا فقال أحمد ينزعه ولا يمسح عليه وقال: هذا أهون, هذا لا يخاف منه فقيل له: متى يسع صاحب الجرح أن يمسح على الجرح؟ فقال: إذا خشي أن يزداد وجعا أو شدة وتعليل أحمد في القير بسهولته يقتضي أنه متى كان على شيء يخاف منه جاز المسح عليه كما قلنا في الإصبع المجروحة إذا جعل عليها مرارة أو عصبها, مسحها وقال مالك في الظفر يسقط: يكسوه مصطكا ويمسح عليه وهو قول أصحاب الرأي. وإذا لم يكن على الجرح عصاب فقد ذكرنا فيما تقدم أنه يغسل الصحيح, ويتيمم للجرح وقد روى حنبل عن أحمد في المجروح والمجدور يخاف عليه, يمسح موضع الجرح ويغسل ما حوله يعني يمسح إذا لم يكن عليه عصاب.
|